(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
تفاسير سور من القرآن
65988 مشاهدة
تفكر الإنسان في مبتدأ خلقه

...............................................................................


قد قدمنا في هذه الدروس مرارا أن تسمية الله جل وعلا في كتابه للدار الذين أولوا إليها -تسميته إياها الآخرة ينبغي للمسلم أن ينظر فيه ويعتبر فيه. وقد أوجب الله على كل إنسان أن ينظر في مبدئه، وإذا نظر في مبدئه دعاه ذلك إلى النظر في انتهاء أمره الذي يؤول به إلى مسمى الآخرة .
وإيضاح ذلك أن الله قال بصيغة أمر سماوي من الله: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ لام الأمر في قوله: فَلْيَنْظُرِ لام أمر صادرة من خالق السماوات والأرض متوجهة إلى مسمى الإنسان. يأمره الله أن ينظر من الشيء الذي خلق منه؛ ليعلم مبدأ أمره، ومن أين جاء وما سبب وجوده، وعلى أي طريق جاء، ثم لينظر بعد ذلك في مصيره وإلى أين يذهب به، وإلى أين يقيل وإلى أين يكون آخر أمره .
وقد بين لنا هذا المحكم المنزل الذي جمع الله به علوم الأولين والآخرين مبدأ هذا الإنسان الضعيف، ومنتهاه ومصيره النهائي الذي لا يحيد عنه إلى شيء آخر؛ فبين أن أول الإنسان تراب بله الله بماء، وهو قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ .
فمبدأ رحلة الإنسان ومنشئه من التراب بَلَّهُ الله بالماء فصار طينا، وهو قوله تعالى: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ثم جعل نسله مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثم إن الله خمر ذلك الطين، حتى صار حمأ مسنونا، ثم أيبسه حتى صار صلصالا كالفخار.
ثم خلق منه آدم وجعله لحما ودما، ثم خلق منه زوجه كما قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ هي آدم وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ؛ يعني حواء وذكر ذلك في الأعراف وفي الزمر كما هو معروف، ثم بعد أن حصل رجل وامرأة صارت طريقة وجود الإنسان على طريق التناسل المعروفة.
يكون أولا من نطفة أمشاج من ماء الرجل وماء المرأة، ثم يخلق الله تلك النطفة علقة وهي الدم الجامد الذي إذا صب عليه الماء الحار لم يذب، ثم يجعل الله تلك العلقة مضغة، ثم المضغة عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ويخلق هذا البشر السوي الذي تنظرون إليه، الذي كل موضع عبرة منه فيها من غرائب صنع الله وعجائبه ما يبهر العقول.
وقد ذكرنا مرارا أن أعظم ما فتن به ضعاف العقول من المسلمين .. الإفرنج في حالة الدنيا، ومن أبرع ما برعوا فيه الطب، وأنا أقول لكم: إنه لو اجتمع اليوم جميع من في المعمورة من مهرة الأطباء يريدون أن يعملوا عملية في جنين في رحم أمه، فإنهم لا يقدرون أن يعملوا العملية حتى يشقوا بطنها ورحمها والمشيمة التي على الولد ، ثم يأتوا بالأشعة الكهربائية؛ ليمكنهم أن يروا ثم يعملوا فقد تموت وهو الأغلب .
وهذا خالق السماوات والأرض جل وعلا ليس فينا ولا فيهم ولا في غيرنا أحد، إلا وهو يعمل فيه آلاف العمليات الهائلة، وهو في بطن أمه من غير أن يحتاج إلى شق بطنها ولا إلى شق رحمها، ولا إلى شق المشيمة التي على الولد يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ .
هذه الأعين قد فتحها الله جل وعلا وأنتم في بطون أمهاتكم، وصبغ بعضها بصبغ أسود وبعضها بصبغ أبيض، وأنبت عليها هذا الشعر، وجعل لها هذه الجفون، وهذا الدماغ خلقه وجعله في هذا الوعاء، وخاط عليه هذه العظام هذه الخياطة الهائلة.
وهذا الأنف خلقه وثقبه، وهذا الفم خلقه وثقبه، وجعل اللسان، وأجرى في الفم عينا باردة هي الريق يبتلع بها الطعام، لو أمسك عنه الريق لما ابتلع الزبد الذائب. وشق له مجاري البول ومجاري الغائط، ومجاري العروق والشرايين في الدورة الدموية.
ولو نظر إلى موضع عضو واحد من الإنسان لوجد فيه من غرائب صنع الله وعجائبه ما يبهر العقول، ومع هذا كله فخالق السماوات والأرض يجعل هذه العمليات الهائلة فيكم وأنتم في بطون أمهاتكم من غير أن يحتاج إلى بنج بل بنج القدرة وعظمة الخالق. يُفعل للمرأة جميع هذا وهي تضحك وتفرح وتمرح، وتعصي خالق السماوات والأرض، لا تشعر بشيء لعظمة وقدرة هذا الإله الخالق العظيم جل وعلا.
ثم إن الله جل وعلا يخلق هذا الإنسان بما فيه من الغرائب والعجائب الذي كل موضع عبرة منه يبهر العقول بما أودع فيه الله من بالغ صنعه وغرائب عجائبه. ثم يخرجه من بطن أمه، ويسهل له طريق الخروج من ذلك المكان الضيق، كما يأتي في قوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثم يلهمه أخذ الثدي وهو في ذلك الصغر، ويلطف به حتى يكبر ويعظم، ويكون قويا يجادل في ربه.